وكالة أنباء الحوزة ـ ألقى الإمام موسى الصدر كلمة بمناسبة عيد الغدير حيث تطرق سماحته إلى هذا الحدث من شتى جوانبه، شارحاً منطقته الجغرافية، وعدد الحجيج الذين أدوا المناسك في تلك السنة أي السنة الأخيرة التي كان النبي (ص) حياً بين المسلمين، ثم أشار إلى الآيات المرتبطة به، كما علق على بعض المعلومات ذات صلة بالآية مستنداً بالتفاسير الواردة، كما تناول خطبة النبي الأعظم (ص) وأكد على الخلافة الربانية للإمام على (ع)، وأشاد إلى عظمة شأن يوم الغدير، وفيما يلي النص الكامل للكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
نحن في هذه اللحظات، وفي هذه الأيام، كما قلنا في الأسابيع الماضية، نعيش مع إخواننا الذين حجوا، وأتموا فريضتهم ونالوا الرضى من الله سبحانه وتعالى، ومع الذين احترموا عيد الأضحى، واحتفلوا بهذا العيد، احتفالًا صحيحًا، يرضي الله سبحانه وتعالى.
نعيش هذه الأيام، مع هؤلاء الإخوة، في كل مكان، وخاصة الذين تشرفوا بزيارة بيت الله الحرام. وهنيئًا لهم ذلك، خاصة وكان في هذه السنة حادث عظيم وله مغزى كبير، وهو زيارة سيدنا المرجع السيد محسن الحكيم أدام الله ظله.
ثم نعيش أيضًا هذه الأيام، وهذه اللحظات مع الإخوة المؤمنين، الذين احتفلوا وحجوا خلال تاريخنا الإسلامي. نعيش مع كل الذين حجوا والذين احتفلوا بهذه الأيام والذين حفظوا هذه الرسالة، وحملوا هذه الأمانة حتى وصلت إلى أيدينا. وفي طليعة هؤلاء قافلة رسول الله (ص). في السنة العاشرة من الهجرة النبوية أي السنة التي حج فيها الرسول الأكرم (ص) حجة الوداع. فكما تعلمون، رسول الله (ص) في آخر سنة من حياته، حج الحجة الأخيرة، وكان يعامل، [في] هذه السنة وفي هذه الحجة، كان يعامل المسلمين معاملة الوداع، وكان يؤكد عليهم مسؤولياتهم الجسام، وكان يضع اللمسات الأخيرة، باصطلاح الفنانين والمصورين، كان يضع اللمسات الأخيرة للشريعة المقدسة بأمر من الله. تلك الشريعة التي أتمها في حجة الوداع، وكان يقول في مواقف عديدة: عند الإحرام، وفي منى، وفي عرفات، وفي المزدلفة، كلمات كثيرة تعبّر عن أن هذه الحجة وهذه السنة، هي سنة وداع رسول الله مع أمته.
أحكام حجة الوداع موجودة ومسجلة في الكتب، وفي آخر هذه الحجة، حينما خرج من مكة وقصد العودة إلى المدينة، خرج من مكة وخرج معه جميع المسلمين الذين حجوا في سنته وفي تلك السنة.
المسلمون، الذين عرفوا أن الرسول الأكرم (ص) يحج، حاولوا كلهم قدر المستطاع أن يحجوا ويزوروا الرسول في هذه السنة. فخرجوا مع الرسول الأكرم وفي موكبه من مكة، كلهم جميعًا. وفي هذه الأيام، هم في الطريق من مكة، وصلوا يوم 18 من هذا الشهر، يعني مثل يوم الغدير بعد غد، يوم 18 من هذا الشهر، وصلوا جميعًا إلى الجحفة. الجحفة مفترق طرق المسلمين الذين خرجوا مع رسول الله من الجحفة كانوا يتفرقون، فأهل الشام يتوجهون إلى بلادهم بطريق، وأهل اليمن يسلكون طريقًا آخر، ومسلمو العراق بطريق ثالث يسافرون. ولكن في الجحفة، كلهم كانوا مع رسول الله وعددهم حسب تقدير المؤرخين يفوق الـمئة ألف، 120 ألفًا كان عدد المسلمين في يوم الجحفة. الجحفة صحراء واسعة، منطقة كبيرة. وصل الرسول الأكرم (ص) إلى موضع، كان هناك غدير من الماء، بركة ماء تجتمع فيها المياه في فصل الشتاء، وتستعمل المياه في سائر أوقات السنة.
هنا وقرب الغدير، المعروف بغدير خمّ، اسم الغدير غدير خم، هناك نزل وأمر الناس أن ينزلوا، ونادوا في الناس للاجتماع.
يوم حار من أيام الصيف، والشمس مشرقة والأرض تحرق الأرجل، حتى الكثير من المسلمين الذين ما كان لهم الوسائل الكافية للبس الأرجل، ما كان لديهم أحذية، ما كانوا يتمكنون من الوقوف على الأرض الحارة. فكانوا يضعون قسمًا من ملابسهم تحت أرجلهم من حر القيظ. فوقف هؤلاء، وعرفوا أن الأمر الذي طلبهم رسول الله (ص) لأجله أمر هام، لأن هنا المفترق الأخير، بعد هذا اليوم لا يرون الرسول، لأنه بعد هذا الشهر سيكون شهر محرم ثم صفر، وتوفي الرسول الأكرم في آخر صفر.
فإذًا، هذا الاجتماع هو الاجتماع الأخير للمسلمين مع رسولهم، وكلام الرسول في هذه المناسبة أهم كلام يمكن أن يودِّع به رسول أمته، في هذا الحر وفي وسط الصحراء ينادي بهم اجتمعوا.
حسب تفاسيرنا، الآية الكريمة: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾ [ المائدة، 67]، نزلت في مبدأ يوم 18 من شهر ذي الحجة.
فالرسول الأكرم طلبهم، هنا نتمكن أن نقول أن هذا الاجتماع، كان اجتماعًا عظيمًا، لأنه في مفترق الطرق، جمع المسلمين وهم في طريق عودتهم، يودعهم، ويقول لهم: أيها الناس! أوشك أن أدعى، فأجيب، يعني يقول لهم: أنا طُلِبْتُ، وجاءت وفاتي، ينعى نفسه، وأخبركم بأني سوف أفارقكم. وداع الرسول، اجتماع المسلمين، آخر لقاء بينه وبين أمته، حتمًا الكلام مهم والوصية عظيمة. أليس كذلك؟ الشخص الذي يريد أن يفارق أهله، الكلمة الأخيرة التي يقولها لهم هذه الكلمة الأساسية الجوهرية التي تفيدهم بعد وفاته.
﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ [المائدة، 67]. فإذًا، أمر عظيم إذا تُرِكَ معناه عدم إبلاغ الرسالة. ثم أنه أمر يجب أن يكون الرسول الأكرم فيه مصونًا من أذى الناس: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾ [المائدة، 67].
فإذًا، العصمة يحتاج الرسول إليها؛ أي أن هناك شيئًا يمكن أن يمس أطماع الناس، أهواء الناس. هناك أناس أسلموا للدنيا، وهناك أناس وجدوا أن في الإسلام طريقًا لإرضاء مطامعهم وشهواتهم، هناك أناس هيأوا أنفسهم لاستلام الزعامة بعد الرسول. ما من شك أنه في هذا الموقف يمكن أن تجرحهم صراحة الرسول ونص الرسول، ويقضي على مطامعهم وعلى ما يحلمون به لمستقبلهم. ولهذا، كانت حاجة الرسول إلى عصمة الله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ [المائدة، 67].
ما هو هذا الأمر؟ هذا الأمر الذي يجمع الناس في هذه الصحراء القاحلة، في هذا اليوم الحار الشديد؟ في آخر لقاء، ماذا يريد أن يقول الرسول؟ حتمًا أمر مهم.
الرواة، والمحدثون، والمفسرون، وأهل الرجال، وصحابة الرسول والتابعون بالمئات والألوف نقلوا هذا الحديث. ليس موضع شك الحديث من جهة السند. فآخر لقاء للرسول مع أمته -باتفاق المفسرين والمؤرخين، والرواة والفقهاء، والصحابة، والتابعين- في هذه الواقعة [التي] حدثت من دون تردد. والنص الذي ينقله مسند أحمد بن حنبل إمام الحنابلة، عين النص الموجود عندنا وفي كتبنا، مسألة لا يختلف فيها أحد. ماذا قال لهم في هذا اليوم؟ قال لهم... بعد أن بلَّغهم بأنه سوف يموت وأنه نعى نفسه... ثم طلب منهم الشهادة على أداء الرسالة، فقالوا: اللهم! بلى، أنت بلّغت وأتممت، وأكملت، وسعيت وما قصرت. ثم قال لهم: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى! لماذا قالوا بلى!؟ ولماذا أخذ منهم العهد، لأنه أولى بالناس من أنفسهم؟ لأن القرآن الكريم يقول: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ [الأحزاب، 6]، وكلام القرآن، كلام الله، ولا شك فيه. فإذًا، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ ما هو إلا اعتراف بما ورد في القرآن الكريم، قالوا: بلى. لماذا قال هذه الكلمة؟ حتى يلقي ضوءًا على ما سوف يقول.
فحينما قالوا: بلى أنت أولى بنا من أنفسنا، رفع يد علي حتى تبين تحت إبطيهما وقال :من كنت مولاه! فهذا علي مولاه، ثم رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. والناس قالوا: آمين.
هذه الكلمة المروية المتواترة في أحاديثنا، ماذا فهموا منها؟ وبماذا عملوا؟ سؤالان، أحب أن أجيب عنهما في هذا اليوم المبارك يوم الجمعة، والحديث الطويل والحفلة الكبرى، سوف نقيمهما بإذن الله في نادي الإمام الصادق صباح الأحد الساعة التاسعة فليبلِّغ الحاضر الغائب.
في هذه الأيام الخالدة في تاريخنا، ثابته وباقية؛ تغيّر العالم وما تغير اليوم، جاء الحكام وذهب الحكام، وهذا اليوم باقٍ؛ الأحوال والظروف والانتخابات والمشاكل لا تجعلنا أبدًا ننسى هذا اليوم، أو نقلل من اهتمامنا بهذا اليوم؛ وإن شاء الله تبلغوا الإخوان، ونبلِّغ الإخوان حتى نجتمع ونتحدث في الغدير، ونحتفل في هذا اليوم، ونعاهد الله على أننا من الذين سمعنا هذه الكلمة وهذه الخطبة، وفهمنا وعملنا، أليس كذلك؟
ثلاث نقاط:
- سمعنا، والمسلمون كلهم سمعوا من دون استثناء. الذي يدرس التاريخ واللغة والتفسير والرواية يسمع صوت الرسول يدوي في مسامعه :من كنت مولاه فهذا علي مولاه، هذا سمعناه.
- ما معنى قول الرسول؟ هل فهمنا فهمًا صحيحًا؟ إن شاء الله.
هناك من فهم قول الرسول بشكل آخر، ماذا فهموا؟ وماذا قالوا؟
قالوا إنه كان بين أمير الؤمنين علي (ع) كان بينه وبين فرسان العرب، بينه وبين قبائل العرب، بينه وبين العشائر، بينه وبين العائلات، دماء وثارات، أليس كذلك؟
تقول فاطمة الزهراء (س) في خطبتها: ﴿كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله﴾ [المائدة، 64]، ثم تقول: وحينما فغر فاغر من قريش، وحينما احتدم الأمر قذف بابن عمه في لهواتها... فاطمة الزهراء تقول أن أمير المؤمنين كان عمله حينما كانت تصطدم الأمور، وحينما تشتعل النيران، وحينما تطغى جماعة، كان محمد (ص) يقذف بابن عمه في هذه النيران المشتعلة فلا يرجع إلا بإطفائها.
من طبيعة الحال، كان هناك بين علي وبين هؤلاء الذين أسلموا مؤخرًا، ودخلوا في الإسلام أفواجًا أفواجًا: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا﴾ [النصر،1-2]، هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام أفواجًا، كيف دخلوا؟ دخلوا من أول الأمر؟ لا، بعدما تركز انتصار محمد (ص) وتغلبه على أولاد عمه وعلى قريش، عرف العرب والقبائل بأنه ما من فائدة بعد، ويجب أن يدخلوا في الإسلام، فدخولهم في الإسلام كان بعد تركيز وضع النبي وبعد استقامة وضع الأمة. من ركّز ومن أقام؟ دين الله، وتوجيه رسول الله وشجاعة أمير المؤمنين وحسن قيادته.
فإذًا، دخل في المعركة وفي المعارك وفي النيران وفي المشاكل، وقَتَل بأمر من الله، كثيرًا من فرسان العرب وكبار قريش. صحيح! لعل القليل من العائلات –في منطقتهم- كانت موتورة من علي بن أبي طالب، فيقول هؤلاء الذين أساؤوا فهم الحديث الشريف، -يقولون- إن الرسول الأكرم (ص) وجد أن الجماعة يكرهون عليًا، أن الجماعة موتورة، لها ثارات على علي، فماذا يعمل وهو في دور الوفاة؟ طلب من الناس أن يحبوا عليًا: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. يفسرون الحديث بهذا الشكل، يعني من كنت أنا حبيبه فعلي حبيبه؛ فإذًا، المحبة لعلي وعدم كره علي، كان معنى قول الرسول الأكرم (ص)... هذا قولهم.
يقال في جوابهم: المولى معقول أن يُستعمل في المحبّ وأن يستعمل في ولي الأمر والحاكم، ولكن هل حب علي فقط كان يقتضي هذه الأهمية البالغة بأن الناس في آخر لحظة يجتمعوا تحت حر الشمس وفوق الأرض التي تلتهب مثل النار، فيستمعون بأن: يا أيها الناس، أحبوا عليًا! بعيد أن يكون هو المقصد من الحديث هذا.
ثم إن الرسول الأكرم (ص) في حجة الوداع وفي عرفات، قال: إن الدماء التي أُريقت كلها ذهبت ولا يجوز أن يثأر أحد لأجل الدماء التي أُريقت، فالإسلام يَجبُّ ما قبله، والدماء التي أريقت بأمر من الله، وبأمر من رسول الله، ولأجل الدفاع عن الأمة ليس فيه ثأر؛ وهذه العملية كانت معروفة بين المسلمين، ليست بحاجة إلى أن يجتمع الناس حتى يقول لهم: أحبوا عليًا، لأن الشخص الذي بالرغم من كل هذه الأحكام لا يحبه، فلن يحبه حتى مع هذه الخطبة.
فإذًا، قضية الحب والولاء ليست تلك القضية المهمة التي يجمع الرسول الناس لأجلها. ثم نحن عرب نفهم اللغة، ونؤمن بالقرائن المتصلة والمنفصلة، صدر الحديث وصدر الخطبة، فيها قرينة على معنى الولي. يقول: ألست أولى بكم من أنفسكم. قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. القرينة مسبَّقة، وواضحة، وليست بحاجة إلى توضيح: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى.
ما معنى أولى بكم من أنفسكم؟ فإذا كان يريد أن يقول: الذي يحبني فليحب عليًا، فلماذا قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟.
فإذًا، هذا الفهم خاطىء، والفهم الصحيح أن معنى المولى نفس المعنى الموجود في صدر الخطبة، يعني ما نفهمه من عبارة: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ نفس المعنى نفهمه من جملة: من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، وهذا معنى عرفيّ ظاهر يفهمه كل عربي من دون حاجة إلى هذه المناقشات والشبهات الواهية.
فإذًا، الفهم الصحيح لحديث الغدير ولخطبة الغدير أن المقام والمركز والمنصب الذي أعطى رسول الله (ص) يوم الغدير بأمر من الله لعلي، هو المقام والمنصب والمركز الذي كان له في أيام حياته، بنص الآية الكريمة: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ [الأحزاب، 6]. المعنى الذي نفهمه من قوله تعالى: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ [الأحزاب، 6] نفهمه من قوله (عليه الصلاة والسلام): من كنت مولاه، فهذا علي مولاه.
يعني أن الآية الكريمة توسع موضوعها، فالآية تقول: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ ]الأحزاب، 6[ وسيرة الرسول، وخطبة الرسول تقول: علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، بكلمة موجزة هذا معنى الآية.
ما معنى: ﴿أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ ]الأحزاب، 6[، يعني يجب إطاعته، يعني إذا نفسك تريد شيئًا، وعلي يريد شيئًا آخر، يجب عليك أن تترك ما تسوّل لك نفسك وتأخذ بقول علي، كما كنت تأخذ بقول محمد من قبل هذا معناه، ومعناه واضح من دون أي تردد. فإذًا، معنى الأولوية، معنى وجوب الإطاعة. فإذًا، معنى الأولوية نفس المعنى المستفاد من قوله تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ [النساء، 59].
نفس المعنى، لماذا نفس المعنى؟ ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ [النساء، 59]، إطاعة الرسول في ماذا؟ في استماع قوله في الأحكام الشرعية؟ لا، إذا رسول الله قال هذا واجب وهذا حرام، إعملوا هذا الشيء لأنه واجب واتركوا ذلك الشيء لأنه محرم، فنحن سمعنا قوله وأطعناه، هذه ليست إطاعة الرسول هذه إطاعة الله، لأن الأحكام أوامر من الله، أليس كذلك؟ ألسنا نحن نعتقد أن الإسلام دين الله؟ أحكام الشرع إطاعة الرسول فيها إطاعة الله. فإذًا، أطيعوا الرسول ليس معناه إطاعة الرسول في الواجب والحرام، معناه إطاعة الرسول في الشؤون الولائية، في شؤون الحكم، في تكوين المجتمع، في كيفية التربية، هذا معناه إطاعة الرسول، وهذا المعنى معنى إطاعة أولي الأمر. ولهذا، انفصلت الآية: ﴿أطيعوا الله وأطعيوا الرسول وأولي الأمر﴾ [النساء، 59]، إطاعة الرسول وأولي الأمر استمرار لإطاعة ثانية تأتي مقابل إطاعة الله وفي سبيل تنفيذ إطاعة الله.
هنا أحب أن أوضح كلمة المولى حتى ندخل في البحث الثاني. نحن فهمنا يا رسول الله ما قصدت بقولك يوم الغدير: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، نحن فهمنا أنك تقصد أن إطاعة الإمام واجبة كإطاعة الرسول، وأنت أولى بنا من أنفسنا، وعلي أيضًا أولى بنا من أنفسنا. ما هو معنى الولاية؟ وما هو معنى المولى؟
نفس المعنى المستفاد من قوله تعالى: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [المائدة، 55]، هذا ﴿إنما وليكم﴾ أليس كذلك؟ ﴿وليكم﴾ نفس المعنى المستفاد من الآية: ﴿وأولي الأمر منكم﴾ [النساء، 59].
﴿وليكم﴾ و﴿أولي الأمر منكم﴾، ومولاكم وأولى بكم من أنفسكم، ألفاظ مختلفة لمعنى واحد؛ نحن هكذا نفهم، وهذه ميزتنا وسر مذهبنا. إذا قلنا نحن نحب عليًا، ما عملنا شيئًا، لأن حب عليّ لكونه من آل البيت جزء من الواجب القرآني. القرآن الكريم ألا يقول: ﴿قل لا أسالكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى﴾ [الشورى، 23]، المودة في القربى، أليس علي من ذوي القربى؟ طبعًا. فإذًا، مودة ذوي القربى جزء من الإسلام، ومن لا يحب عليًا فهو كافر، ولا تردد في هذا. مسألة المحبة والمودة نحن انتهينا منها ولا أحد يناقش فيها، والمسلمون كلهم يحبون آل البيت، ولكن الكلام في الولاية والمولوية وأولي الأمر وولي وأولى الناس بأنفسهم منهم، هذه النقطة الأساسية.
هل نحن نعمل بما فهمنا أو لا نعمل؟ القرآن الكريم يقول: ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات﴾ [البقرة، 257]. ولي وأولياء، ما معناها؟ معناها هو آمر الإنسان، وناهي الإنسان، ودافع الإنسان، ومانع الإنسان، وباعث الإنسان، وزاجر الإنسان.
الولي، المولى المقابل للعبد. ماذا كان دور المولى؟ تصور! سابقًا كان بين الناس عبيد، وكان بين الناس سادة، ما مفهوم السيد والعبد؟ المولى والعبد، ما مفهومهما؟ مفهومهما أن العبد والأمة كانا يطيعان أمر المولى. يعني [العبد] إذا اشتغل بالتجارة، إذا سلك طريقًا، إذا أراد شيئًا، إذا تصرف تصرفًا، أي شيء، يجب أن يكون بأمر المولى، يعني مصدر نشاط الإنسان، مصدر انطلاقات الإنسان، فعل الإنسان وترك الإنسان، مساعي الإنسان، العبد كان بأمر من المولى. فالعبد كان يطيع المولى، وكان يطيع الله سبحانه وتعالى. أليس كذلك؟ هذا كان واجب العبد، المولى دوره هذا الدور.
يريد القرآن الكريم أن يقول إنكم في عملكم وفي سيركم وفي نومكم ويقظتكم وفي جميع تصرفاتكم، يجب أن تكونوا مطيعين لله ولرسوله ولعلي. ما هو معناه؟ يعني أنت إذا جاء في ذهنك وإذا رغبت في شيء يجب أن تنظر إلى هذا الشيء، هل الله ورسوله وأولي الأمر راضين عن هذا الشيء أو لا؟ إذا كانوا راضين تعمله، وإذا لم يكونوا راضين، لا تعمله. أأحببت أم لا! بإمكاننا أن نعمل، أو نترك هذا البحث.
نحن سمعنا ما قال الرسول، ووعيناه. فلنعمل!! ليس أمامنا إلا العمل. العمل بماذا؟ يريدك ربك، أنك لا تخضع لإرادتك ولرغبتك ولأهوائك ولأنانيتك، يريدك أن لا تكون حرًا! نعم! أن لا تكون حرًا أمام الله. كما نقلت لكم قصة الإمام الصادق (س) وبِشْر. حينما مرّ الإمام أمام باب بيته، فسمع صوت الأغاني، والمغنيات والدفوف وآثار اللهو واللعب معروفة ومنتشرة وصاعدة من البيت. فوقف قرب الباب، وسأل الخادم قال له: هل صاحب هذا البيت عبد أم حرّ؟ فرد الخادم: لا، يا سيدي هذا حر، وليس عبدًا بل له عبيد، هو بِشْر، هو مالك، هو غني، هو مترف. قال الإمام: نعم، لو كان عبدًا لما كان يعصي مولاه، لو كان عبدًا لما كان يعصي مولاه. ثم قرأ الآية المباركة: ﴿ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله﴾ [الحديد، 16] وذهب. والله سبحانه وتعالى هدى بِشْرًا في هذه النقطة، واهتدى.
فإذًا، القضية، قضية التطبيق يا إخوان. لا يكفينا أن نقول نحن ولينا: ﴿الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [المائدة، 55].
ماذا يعني وليك الله؟ وماذا يعني وليك الرسول؟ وماذا يعني وليك الإمام؟
إذا أنت أردت أن تأكل أو تشرب أو تعاشر أو تسلك أو تتصرف، وتصرفت بمقتضى مصالحك وأهوائك، تصرفت بمقتضى إرادتك وحريتك، فما هو الفرق بينك وبين غيرك؟ أنت تقول أنا أؤمن بولاية علي بعد أن كنت أنت والآخرين، آمنت بولاية الله، وولاية الرسول، فما هو تأثير ولاية الله عليك، ما هو تأثير ولاية رسول الله وعلي عليك؟ لا يكفي أن تطبق الواجبات، وتترك المحرمات، لأن هذا إطاعة الله، فأين إطاعة الرسول؟ أين إطاعة أولي الأمر منكم؟
نحن في عملنا، في سيرنا، في خطنا، في أعمالنا، يجب أن ننبثق وننطلق ونستوحي من الولاية، وحينئذٍ حياتنا تختلف عن حياة الآخرين، وإلا علي ولي الله، ماذا نفعل؟ إذا قلت 50 ألف مرة قل: أشهد أن عليًا ولي الله إذا قلت بلسانك، وقلبك لم يقل أشهد أن عليًا ولي الله؟ إذا قلت بلسانك أن وليك الله ومحمد وعلي، ولكن يدك لم تقل ولي الله ورسوله؟ وإذا سمعك، بصرك، رجلك، قلبك وجوارحك ما قالت أن ولي الله ورسوله والذين آمنوا فما معنى الولاية بالاسم؟ الاسم ليس له أثر. أيها الإخوان، أنا أقول لكم ولنفسي، هنا وهناك، بأن الدين بالشكل الموجود، يعني الدين بالهوية، الدين باللسان، هذا ليس دينًا! وهذا لا ينفع، هذا لن يطلع منه شيء أبدًا. ما الذي يطلع من الدين اليوم؟ وماذا يعمل الدين اليوم؟ المصير، مصيرك بيدك اليوم أنت تكون غنيًا أو فقيرًا، عزيزًا أو ذليلًا، موظفًا أو غير موظف، أمن بلدك بيدك، مستقبل أولادك بيدك، مستقبلك أنت بيدك، تجارتك، مالك، بستانك، بيوتك، أعراضنا وأعراضك بيدنا أو يرسمه لنا الكفار في العالم؟
أي دين؟ أي كلمة للدين في هذا اليوم؟ نصلي ونصوم! هذه ليست كلمة الدين، كلمة الدين، كلمة الدين الصحيحة هي إذا قاد الدين حياتك، وأمّن الدين مستقبلك، وحفظ الدين عرضك، وكوّن الدين مجتمعك، ورسم الدين خطك، وإلا ليس هناك من شيء. نحن عندنا هيكل الدين، شبح الدين؛ الشبح لن يخيف أحدًا، الصورة لن تفعل شيئًا، يجب أن تطبق الدين في نفسك. لا تقل إن الآخرين لا يعملون، ما لك والآخرون.
أريد أن أسألك أي من تحركاتك تصدر عن الدين؟ غير العادة، غير الصلاة والصيام، تحركاتك، عشرتك، تأييدك، تنظيمك، خصومك، محبتك، رفقك، غضبك، خشونتك، أي واحد منها للدين؟ هل تغضب للدين أو تغضب لنفسك أو تغضب لعائلتك؟ أو تغضب لصديقك؟ هل تحب للدين أو تحب لأهوائك؟ هنا المشكلة.
إذا لم نملك أمر الآخرين، فنحن نملك أمر أنفسنا، ألا نملك أمر أنفسنا؟ فلندرب، نعمل تدريبًا، نحاول من اليوم نمشي بضع خطوات، ونشعر بأن وراء هذه الخطوة الله، رسول الله، ولي الله. خطوة خطوة، ونزيد حتى نتحول نحن على الأقل إلى مسلمين. أي إسلام هذا؟ نحن يجب أن يجري أمر الولاية في وجودنا، يجب أن تتحول قلوبنا إلى يد الله: ﴿الله ولي الذين آمنوا﴾ ]البقرة، 257[. يجب أن نجعل من الله وليًا ووراء قلبنا ومحركنا في حياتنا؛ هو يدفعنا وهو يمنعنا. حينئذٍ يمكن أن نسمي أنفسنا مسلمين. وإلا فشكل الدين ليس إلا لعبة وعادة. الآن، نحن نصلي أحيانًا، وهناك أناس يصلون أكثر منا، ليس لله وإنما لغير الله ومثل بعض. وهناك أناس يعملون عبادات شاقة، هناك صوفيون يعملون رياضات. هناك ملحدون بالله، يقف الواحد منهم 40 سنة على رجل واحدة. ألم تسمعوا بهؤلاء الأشخاص الموجودين في الهند؟ هناك أناس يتعبدون أكثر منا. ماذا تعني؟
الآن نحن نصلي. كم نريد أن نربّح جميلة؟ الصلاة الاستئجارية سنة واحدة بـ 120 ليرة، كلها يعني. هذا الاستئجار للأشخاص الذين يموتون ويوصون بالصلاة 120 ليرة، 50 أو 60 سنة كم تبلغ قيمتها؟ هذا هو إسلامنا؟ إسلامنا وديننا أهذا هو؟ يجب أن يكون إسلامنا محركنا ووجودنا، نحن يجب أن نتفبرك في الفبركة الإسلامية. يجب أن نتحول إلى إنسان جديد: الإنسان المسلم. الإنسان الذي يطيع الله ورسوله وأولي الأمر؛ الإنسان الذي يطيع الله، ووليه الله، ويطيع: ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [المائدة، 55]. انطلاقتنا، أفعالنا تنبثق منهم. هذا هو الإسلام، هذا هو التشيع، هذا هو الدين، هذه هي الولاية، وإلا فلا، وإلا ليس هناك من دور.
الآن أي تحرك من التحركات في العالم، ينبثق عن الدين. أي موجة في المجتمع، أي حضارة في العالم، أي تطور في التاريخ، أي سيرة من سيرنا، أي لبس من ملابسنا! أبدًا. الدين غائب عن حياتنا، غائب عن حياتنا العادية تمامًا. وليس إلا بشبح، وأشكال وألوان. وإذا ما كونّا أنفسنا، ولم نكن بالفعل متحركين بالدين! فلماذا نشوّه سمعة الدين؟ لماذا نحن نمثل الدين تمثيلًا خاطئًا.
الدين الصحيح أن يتحول كل واحد منا إلى محمد صغير، علي صغير، ونعمل. هذا هو! وإلا لغوًا، والطريق ليس مسدودًا أبدًا وبإمكاننا أن نعمل، وبالتدريج نحاول... نحب جماعة لله، ونبغض جماعة لله. نعمل قليلًا لله، نؤيد لله، نرفع صوتنا قليلًا لله. وهكذا بالتدريج تصير [الأمور].
مفهوم حديثي، أيها الإخوان؟ ليس كلامًا غامضًا. ما هو تأثير الله، ورسول الله وعلي في حياتنا؟ وماذا يغيرون فينا؟ لماذا نسميهم أولياء؟ ماذا يعني أولياء؟
إن الدين يحركك الفرق بينك... [أنت] وليك الله، ومحمد، وعلي. فما الفرق بينك وبين مواطنك الآخر، الذي لا يؤمن بولاية علي، أو لا يؤمن بولاية محمد؟ ما الفرق بين المؤمن بالله وبين المواطن اللبناني الآخر الذي لا يؤمن بالله؟ نمشي مثل بعض، نلبس مثل بعضنا، ندافع مثل بعض، نأكل مثل بعض، نكره مثل بعض، نحب مثل بعض فما الفرق؟ فإذًا، صُوَر وأشباح، وأشكال، يجب أن لا نُغري أنفسنا. وأحكي عن نفسي أيضًا، حتى لا أكون قليل الأدب معكم. نُغري الآخرين بأننا مسلمون، والحمد لله. كما يقول الأتراك مسلمان والحمد لله.
يعني العمق الإسلامي، هذا التحرك، هذا القلب ينبض قليلًا، عندما ترى المنكر وتعرف أن الله غير راضٍ، هل تزداد حرارة بدنك أم لا؟ جرّب ومرّن! بينما لو سمعت أحدهم يشتمك -وبينك وبين الله أنظر إلى أين وصلنا، حصل عندنا نوع من الجمود- الواحد منا، بمجرد ما يشتمه أحد، أو يشتم فردًا من عائلتنا، نحس بالدم يسرع في عروقنا، ولوننا يحمر، ونغضب، وتتغير الدنيا. هذا هو التأثير الصحيح. وإذا سبّ أحدهم الله أمامك، ألا تسمع؟ إذا أحدهم عصى الله أمامك، ماذا تفعل؟ تتغير؟ أو تشعر بالتغيير؟ لا، ليس هناك شيء من هذا عادي.
فإذًا، ليس هناك شيء اسمه الإسلام عندك. بل هناك شيء اسمه إسلام ولكن ليس إسلامًا حقيقيًا... سيأتي زمان على أمتي، لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، وهذا هو الوقت: ومن القرآن إلا رسمه.
القرآن أشكال وخطوط في كتاب موجود في زاوية الغرفة. ألم يقل الإمام علي: أنا القرآن الناطق. أتريد أن تكون أنت القرآن؟ يجب أن يكون خُلُقك القرآن، عملك القرآن، قلبك القرآن؟ هذا ما يجب أن يكون، وهذا ما يريده هو.
فإذًا، نحن أمامنا مراحل ثلاث: نسمع خطبة الغدير، ونفهم خطبة الغدير ونعمل بخطبة الغدير. وحينئذٍ كما يقول الإمام: تصافحنا الملائكة يوم الغدير؛ من أدرك هذا اليوم، عارفًا، مؤمنًا، فقد صافحته الملائكة. متى الملائكة تصافحنا؟ متى نكون [قد] وصلنا إلى المحجة البيضاء؟ عندما نسلك وراء علي، عندما يدخل علي من هذا الباب إلى قلبنا، وعندما يحرك وجودنا وأيادينا وأرجلنا. حينئذ يكون لنا العز.
لا تقولوا إنكم لستم قادرين، كل منكم قادر على نفسه. إبدأ بنفسك، ثم الله يفرجها. فلأطبق أنا على نفسي أولًا، ثم على أولادي، ثم ثقْ بأنك المنتصر فـ ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله﴾ [البقرة، 249].
وفقنا الله، وتقبل الله منّا.
والسلام عليكم.
رمز الخبر: 346772
٢٣ سبتمبر ٢٠١٦ - ١٨:١٥
- الطباعة
وكالة الحوزة ـ ألقى الإمام موسى الصدر كلمة بمناسبة عيد الغدير حيث تطرق سماحته إلى هذا الحدث من شتى جوانبه، شارحاً منطقته الجغرافية، وعدد الحجيج الذين أدوا المناسك في تلك السنة أي السنة الأخيرة التي كان النبي (ص) حياً بين المسلمين، ثم أشار إلى الآيات المرتبطة به.